المحتويات
في السنوات الأخيرة، برزت “سياحة الأطعمة” كأحد أبرز أنماط السياحة الحديثة، بعدما أصبحت تجربة الطعام سببًا رئيسيًا لاختيار الوجهات السياحية. لم يعد المسافرون يكتفون بمشاهدة المعالم، بل باتوا يبحثون عن مذاقات تعكس روح المكان وتفاصيل حياة السكان.
المنتدى العالمي.. منصة للابتكار وتبادل الخبرات
يُعد المنتدى العالمي لسياحة الأطعمة، في نسخته السادسة التي تنظمها منظمة السياحة العالمية، منصة هامة لريادة الأعمال والابتكار في هذا المجال المتنامي. يهدف المنتدى إلى دعم الاستثمار في سياحة الأطعمة، وتبادل التجارب الناجحة بين الدول والمبادرات الناشئة، بما يسهم في تنمية السياحة المستدامة وتعزيز الاقتصاد المحلي.
من التذوق العابر إلى الغرض الرئيسي للرحلة
على مدار العقود الماضية، كان اكتشاف الأطعمة جزءًا عارضًا من الرحلة السياحية. أما اليوم، فقد باتت المأكولات والمشروبات عاملًا حاسمًا في اختيار السائح وجهته، خاصة عندما ترتبط هذه الأطعمة بثقافة محلية وتراث عريق. ويؤكد تقرير حديث لمنظمة السياحة العالمية أن مدنًا كثيرة – لا سيما المناطق الريفية والوجهات التاريخية – أصبحت أكثر جاذبية بفضل أصالة مطبخها.
نماذج عالمية ناجحة في سياحة الأطعمة
سياحة الأطعمة ليست مجرد وجبة على الطاولة، بل تجربة ثقافية متكاملة. وفيما يلي بعض النماذج الملهمة التي تُظهر كيف تحوّلت الأطباق المحلية إلى جوازات عبور ثقافية:
إيطاليا: جولات تذوق الطعام في مدن مثل بولونيا ونابولي، حيث يتذوق الزوار الباستا الطازجة والجبن المحلي والنبيذ، وسط قصص العائلات التي توارثت وصفات الأجداد.
بيرو: تجربة الطهي المنزلي مع السكان المحليين في ليما أو كوزكو، لتعلّم أطباق مثل “سيفيتشي” واكتشاف الروح البيروفية من قلب المطبخ.
المغرب: جولات الأسواق الشعبية في فاس ومراكش لتجربة الطاجين والبسطيلة والحلويات المحلية، وتعلّم إعدادها بورش حية.
اليابان: تجارب “واشوكو” التي تتضمن جلسات إعداد السوشي وتحضير الشاي، حيث يُعامل الطعام كطقس فلسفي متكامل.
تايلاند: جولات طعام الشارع في بانكوك، خاصة خلال الليل، لاكتشاف أطباق مثل باد تاي وسلطة تام سوم.
الولايات المتحدة وأوروبا: مهرجانات كبرى مثل “طعم شيكاغو”، ومهرجان سان سيباستيان للطعام في إسبانيا، ومهرجان “MAD” في كوبنهاغن الذي يجمع الطهاة والمجتمعات في بيئة ابتكارية.
مبادرات تدعم المجتمعات عبر الطعام
يتعدى دور سياحة الأطعمة حدود التذوق، ليصبح أداة فاعلة في دعم المجتمعات.
في جنوب إفريقيا، أطلقت مبادرة Mama Africa’s Kitchen مطاعم منزلية تديرها نساء محليات لاستقبال الزوار.
في فلسطين، تُنظم “جولات الزعتر” كوسيلة للربط بين التراث والمطبخ والمقاومة الثقافية.
في مصر، يُعد تنوع الطعام انعكاسًا طبيعيًا لتعدد البيئات والثقافات. ففي الجنوب، تتميز مناطق النوبة والصعيد بأطعمة تعود جذورها إلى التراث المصري القديم، بينما تقدم الواحات وسيناء ومرسى مطروح مأكولات بدوية فريدة، ترتبط بأنماط الحياة الصحراوية حتى القاهرة والإسكندرية.
أثر اقتصادي وتواصل ثقافي مباشر
تمثل سياحة الأطعمة فرصة لتعزيز الاقتصاد المحلي، إذ تُشجّع على تشغيل الأيدي العاملة داخل الفنادق والمطاعم والأسواق الصغيرة. كما تتيح هذا النوع من السياحة تواصلًا مباشرًا بين الزائر والمجتمع المحلي، ما يخلق روابط إنسانية ويزيد من وعي السائح بالثقافة المضيفة.
نمط غير موسمي.. وسوق عالمي دائم الحركة
على عكس أنماط السياحة الموسمية مثل الشواطئ أو المغامرات، تتميز سياحة الأطعمة باستمراريتها على مدار العام. وهي تستهدف شرائح متنوعة من السياح، ما يجعلها خيارًا استراتيجيًا للدول الباحثة عن تنويع منتجاتها السياحية.
نمو متواصل.. وتنافس عالمي
في العام الماضي، أُقيمت النسخة الأولى من مسابقة سياحة الأطعمة بمشاركة أكثر من 300 مبادرة من 84 دولة. تنوعت المبادرات بين استخدام تقنيات رقمية حديثة، ومشاريع صغيرة تهدف إلى دعم المجتمعات المحلية عبر الطعام. وهو ما يعكس الإمكانات الواسعة لهذا القطاع في ربط السياحة بالتنمية، وصعوده ليكون رافعة اقتصادية وثقافية حقيقية في عالم السياحة المعاصرة.