المحتويات
في مشهد غير مسبوق منذ أكثر من قرن، احتشد المئات داخل كنيسة في مدينة ألبا دي تورميس الإسبانية، ليشهدوا لحظة الكشف عن جسد إحدى أبرز الشخصيات الدينية في التاريخ الكاثوليكي: القديسة تيريزا الأڤيلية، والتي توفيت قبل أكثر من 440 عامًا.
كانت المرة الأخيرة التي رأى فيها أحد جسد “القديسة تيريزا” في عام 1914، ومنذ ذلك الحين ظل مغلقًا في تابوت مرمري محاط بصندوق فضي داخل ضريحها في كنيسة باسيليكا البشارة. أما الآن، فقد تقرر فتح القبر مرة أخرى، وسط دهشة الخبراء والمؤمنين على حد سواء، فجسد القديسة لم يتحلل!
جسد “لا يفسد” رغم مرور القرون
عندما فتح الأب ماركو كيزا، المسؤول العام لرهبنة الكرمليين الحفاة، التابوت في أواخر أغسطس 2023، لم يكن يتوقع أن يرى هذا المشهد: وجه القديسة لا يزال ظاهرًا بوضوح، وأطرافها في حالة تُوصف بأنها “غير قابلة للفساد”، وهي حالة نادرة جدًا، يعتبرها بعض الكاثوليك “معجزة من الله”.
وقال كيزا: “لا يوجد لون للبشرة، فهي ممزقة ومحنطة، ولكن ملامح الوجه واضحة تمامًا، ويمكن للخبراء رؤية وجه تيريزا بشكل شبه كامل”.
رحلة من الألم والإيمان
لم تكن القديسة تيريزا مجرد راهبة. وُلدت عام 1515، وتوفيت عام 1582 عن عمر يناهز 67 عامًا بعد رحلة مليئة بالمعاناة الجسدية والمكاشفات الروحية. في أيامها الأخيرة، رغم المرض والإرهاق، قررت زيارة إحدى صديقاتها في مدينة ألبا دي تورميس برفقة راهبة تُدعى آن. وهناك، وبعد رحلة شاقة ومؤلمة، قالت عبارتها الأخيرة: “أخيرًا يا ابنتي، وصلت إلى بيت الموت.”
كانت تيريزا تعاني من تقلصات، مشاكل معوية، دوار، وفقدان متكرر للوعي، وقد فسرت كل ذلك في مذكراتها على أنه علامات من الله وتجارب صوفية تعزز ارتباطها بالخالق.
وفي اكتشاف حديث أثناء فحص قدمها، لاحظ العلماء وجود “أشواك كلسية”، وهي بروزات عظمية مؤلمة تجعل المشي شبه مستحيل. ورغم ذلك، مشَت تيريزا آخر كيلومترات حياتها لتصل إلى وجهتها الروحية.
من شدة أهمية الجسد وقدسيته، يخضع الضريح لنظام أمني معقد يتطلب عشرة مفاتيح مختلفة لفتحه. يُحتفظ بثلاثة مفاتيح من قِبل دوق ألبا، وثلاثة لدى بلدية المدينة، وثلاثة في مقر الرهبنة بروما، أما المفتاح العاشر – الذي يُعرف بـ”مفتاح الملك” – فهو شرط أساسي لفتح التابوت!
تحقيق علمي جارٍ.. هل من تفسير علمي؟
نُقل الجسد إلى غرفة معزولة حيث يعمل فريق من الأطباء والعلماء على فحصه بدقة، باستخدام الأشعة والصور وتحاليل العينات التي أُرسلت إلى مختبرات في إيطاليا. الهدف؟ معرفة كيف صمد الجسد طوال هذه القرون، وهل يمكن استخدام هذه المعرفة للحفاظ على رفات قديسين آخرين مستقبلاً.
الأب كيزا يقول: “نحن في المراحل الأولى من التحليل، ومن المبكر إصدار أي نتائج، ولكننا واثقون أن هذه الدراسة ستقدم لنا معلومات مذهلة عن تيريزا، وربما عن أسرار الحفظ الطبيعي للأجساد.
من راهبة إلى أول “دكتورة” في الكنيسة
لا تعد القديسة تيريزا قديسة عادية، في عام 1622، تم إعلان قداستها، ثم في 1970 أصبحت أول امرأة تُمنح لقب “دكتور في الكنيسة”، وهو أعلى وسام روحي يُمنح لمن قدّموا إسهامات مؤثرة في العقيدة الكاثوليكية.
واليوم، تُعد تيريزا شفيعة لاعبي الشطرنج، والخياطين، واليتامى، والمرضى، والمضطهدين بسبب إيمانهم، وكل من يبحث عن النعمة.