في إطار التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية، تحتفل العلا غدًا بإحياء فعالية “الطنطورة”، التي تُعدّ واحدة من أبرز العلامات التاريخية والتراثية التي شكلت جزءًا أساسيًا من حياة سكان المنطقة على مر العصور. هذه الفعالية، التي تُقام في البلدة القديمة في العُلا، تمثل مناسبة فريدة من نوعها لاستحضار ملامح الماضي، واحتفاءً بتراث مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالممارسات الزراعية والموسمية التي اعتاد أهالي العُلا على اتباعها منذ مئات السنين.
الطنطورة: ساعة شمسية تاريخية ورمز للمواسم الزراعية
تُعد الطنطورة ساعة شمسية تقليدية (مزولة) استخدمها أهالي العُلا لتحديد بداية المواسم الزراعية، وتحديدًا المربعانية التي تشير إلى بداية فصل الشتاء. كما كانت هذه الساعة الشمسية عنصرًا محوريًا في تنظيم مواعيد الزراعة وجني المحاصيل وفقًا لدورة الأرض والفصول، مما جعلها حجر الزاوية في حياة سكان العُلا الذين اعتمدوا على الزراعة كمصدر رئيسي للرزق.
كانت الطنطورة تُستخدم لتحديد بداية الموسم الزراعي، إذ يعتمد الفلاحون عليها لمعرفة الوقت المثالي للزراعة، ومتى تبدأ الأرض في استيعاب المحاصيل الموسمية. من خلال هذه الأداة البسيطة، كان يتم التنبؤ بتغيرات الطقس والمواسم، مما ساعد على تطوير أساليب الزراعة التقليدية التي كانت مستدامة ومتوافقة مع البيئة المحيطة.
الفعالية الثقافية لهذا العام: نشاطات متنوعة تُعيد الحياة إلى الماضي
الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم الفعالية، تسعى من خلال فعاليات “الطنطورة” لهذا العام إلى تقديم تجربة ثقافية متكاملة للزوار، حيث تتنوع الأنشطة التي يتم تنظيمها لتعكس عراقة التاريخ التراثي للعُلا. ومن أبرز الأنشطة التي يتم تنظيمها:
العروض التراثية: التي تقدم للزوار تجربة حية عن الحياة التقليدية في العُلا، وكيف كانت تُنظم بناءً على الطنطورة.
ورش العمل الفنية: التي تتيح للزوار المشاركة في الحرف التقليدية مثل صناعة الفخار، والنسيج اليدوي، والعمل الخشبي، وغيرها من الحرف التي كانت جزءًا من الحياة اليومية لأهالي العُلا.
محاضرات وفعاليات تعريفية: تركز على تاريخ الطنطورة واستخداماتها في تنظيم المواسم الزراعية والحياة اليومية في العُلا. هذه الفقرات تتضمن أيضًا مداخلات من خبراء في الأنثروبولوجيا والتاريخ الثقافي للمنطقة.
أنشطة تفاعلية: تتضمن إعادة تمثيل الحياة القديمة في العُلا، مما يمنح الزوار فرصة لاستكشاف الأساليب الزراعية التي كانت سائدة في المنطقة، وكذلك التأثيرات التي تركتها الطنطورة على تنظيم حياة الأهالي.
التزام الهيئة الملكية بحماية التراث وتعزيز السياحة الثقافية
من خلال تنظيم هذه الفعالية، تؤكد الهيئة الملكية لمحافظة العُلا على دورها المحوري في الحفاظ على التراث الثقافي والإسهام في تطوير السياحة الثقافية. تُعدّ الفعالية جزءًا من الجهود المستمرة التي تبذلها الهيئة في سبيل إحياء التراث من خلال استخدام أساليب معاصرة تدعم الهوية الثقافية للعُلا، وتُساهم في تحسين تجربة الزوار وتعزيز فهما للقيمة التاريخية والثقافية لهذه المنطقة.
إن إعادة إحياء الطنطورة لا تقتصر على كونها حدثًا سياحيًا، بل هي حركة ثقافية مستدامة تهدف إلى ربط الأجيال الحالية بإرث أجدادهم، وتعريفهم بما تحمله هذه المواقع من قيمة ثقافية وفكرية. كما أن الفعالية تساهم في رفع الوعي المجتمعي حول أهمية التراث الثقافي غير المادي في المملكة.
أهداف رؤية المملكة 2030
تتماشى هذه الفعالية مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية من خلال الحفاظ على التراث الثقافي والموروثات التاريخية. ومن خلال الفعالية، تسعى العُلا إلى أن تكون واحدة من أبرز وجهات السياحة الثقافية في المملكة، إلى جانب تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة. فالتراث الثقافي، الذي تمثل الطنطورة جزءًا منه، يعكس الهوية التاريخية ويعمل على تفعيل السياحة المستدامة التي تدعم الاقتصاد المحلي.
وتُعتبر هذه الفعاليات فرصة رائعة لتعريف الجيل الجديد بأهمية التراث الثقافي، خاصة مع الإقبال الكبير من الزوار المحليين والدوليين الذين يطمحون إلى التعرف على الجوانب الثقافية والفنية التي تشتهر بها العُلا. إذ تسهم الفعالية في تعزيز الحراك الثقافي في المملكة وتوفر تجارب تعليمية وثقافية تشجع على الارتباط بالتراث وتعميق الوعي بأهمية الحفاظ عليه.

















