المحتويات
في قلب صحراء السعودية، وبين الكثبان الرملية لمنطقة تبوك شمال غرب المملكة، عثرت بعثة بحثية على ما يُمكن وصفه بأنه “كنز ديناصوري” نادر قلب مفاهيم الجيولوجيين وعلماء الحفريات رأسًا على عقب.
لم يكن أحد يتوقع أن تكشف طبقات الصخور الرملية بمنطقة “عينونة” عن بقايا مخلوقات عاشت قبل نحو 75 مليون سنة، خلال الحقبة الطباشيرية المتأخرة، وتحديدًا في فترة الـ Campanian-Maastrichtian. فلطالما كانت شبه الجزيرة العربية منطقة فقيرة جدًا من حيث الاكتشافات الديناصورية، مقارنة بقارات مثل أمريكا الجنوبية أو إفريقيا.
لكن المفاجأة كانت مزدوجة، حيث لم يكتفِ الفريق العلمي التابع لـ “هيئة المساحة الجيولوجية السعودية” باكتشاف حفريات ديناصورات، بل تمكن أيضًا من تصنيفها علميًا، وهو أمر يحدث للمرة الأولى على أراضي المملكة.
ديناصوران من نوعين مختلفين الأول عملاق والثاني مفترس
البعثة العلمية، بالتعاون مع خبراء دوليين، استخرجت سبع فقرات ذيلية ضخمة تعود لديناصور نباتي من نوع “تيتانوصور” أحد أكبر الكائنات التي مشت على وجه الأرض. هذه الفقرات أظهرت خصائص واضحة، مثل شكلها الأسطواني ونظام المفاصل الخاص بها، مما مكن العلماء من ربطها بهذه العائلة العملاقة.
بحسب بحث علمي نشر بـ “journals.plos” في 2013، فأن الاكتشاف الأبرز فكان سِنّين حادتين تعودان لديناصور آكل للحوم، يشبه إلى حد بعيد فصيلة “أبليصور” (Abelisaurids) وهي فصيلة معروفة بوجودها في إفريقيا ومدغشقر وأمريكا الجنوبية، لكنها لم تُوثق من قبل في شبه الجزيرة العربية.
ويُعد هذا أول دليل مؤكد على وجود ديناصور مفترس غير طائر (non-avian theropod) في السعودية، ما يفتح أبوابًا جديدة لفهم التنوع البيولوجي في المنطقة خلال العصور السحيقة.
ما الذي تخبرنا به هذه الحفريات؟
وفقًا للدراسة المنشورة في مجلة PLOS ONE، فإن بقايا هذه الديناصورات تم العثور عليها في تكوين “عَدَفَة” وهي طبقة جيولوجية غنية بالرمال والحصى، تعود لعصور ما قبل انفصال البحر الأحمر. وقد تبيّن أن العظام كانت مهشمة ومتآكلة بسبب التيارات البحرية القديمة، مما يشير إلى أن الديناصورات نُقلت بمياه فيضانات مفاجئة قبل أن تستقر وتُدفن هناك.
لكن رغم تآكلها، كانت الخصائص التشريحية للأسنان والعظام كافية لتأكيد الهوية التصنيفية للديناصورات.
أهمية الاكتشاف تتجاوز حدود المملكة
هذا الاكتشاف لا يُسلط الضوء فقط على التاريخ الطبيعي للسعودية، بل يُعيد رسم خريطة توزيع الديناصورات عالميًا. إذ يمدد نطاق وجود “تيتانوصورات” و”أبليصورات” على طول الحافة الشمالية لقارة “غوندوانا” القديمة – القارة العملاقة التي سبقت انقسام القارات الحالية.
ويؤكد الباحثون أن حفريات عَدَفَة تُعد الآن مرجعًا علميًا يُضاف إلى السجل الجيولوجي العالمي، ويمنح علماء الحفريات لمحة نادرة عن التنوع الحيوي القديم في المنطقة.
من الرمال إلى المتاحف
جميع الحفريات التي تم استخراجها نُقلت بعناية إلى قسم الحفريات بهيئة المساحة الجيولوجية السعودية في جدة، حيث تخضع للمزيد من التحليل والدراسة. ويأمل الباحثون في أن يقود هذا الاكتشاف إلى بعثات تنقيب جديدة، وربما إنشاء متحف متخصص يُعرض فيه تاريخ الديناصورات في السعودية.