كشفت دراسة حديثة أجراها معهد العلوم الأساسية (IBS) في كوريا الجنوبية عن اكتشاف علمي مهم يربط بين التغيرات غير الطبيعية في مستويات السكر داخل الدماغ والإصابة بمرض الاكتئاب. هذا الاكتشاف يُعتبر تحولًا لافتًا في مجال الطب النفسي والعلاج العصبي بعد عقود من تركيز الأبحاث والعلاجات على النواقل العصبية فقط .
الدماغ والاكتئاب

الدراسة التي نُشرت في مجلة Science Advances، أوضحت أن التوتر المزمن يؤدي إلى تعطيل سلاسل السكر الدقيقة المعروفة بـ**(O-glycans)** في القشرة الجبهية الأمامية للدماغ. هذا التغيير يزعزع استقرار الدوائر العصبية في هذه المنطقة، مما يؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب.
وتُعتبر القشرة الجبهية الأمامية من أهم المناطق الدماغية التي تلعب دورًا حيويًا في تنظيم العواطف والتفاعل الاجتماعي. وبالتالي، فإن تعطل هذه السلاسل السكرية يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في الوظائف الدماغية التي تسهم في الاكتئاب.
التوتر المزمن وتأثيره على السكر في الدماغ
التوتر المزمن، الذي يُعد أحد العوامل الرئيسية في تحفيز الاكتئاب، يُعطل عملية “السيالة السكرية” في الدماغ. هذه العملية تعتمد على إنزيم يسمى St3gal1 الذي يساعد في تكوين الهياكل السكرية المعقدة داخل الخلايا العصبية. وعند تعطيل عمل هذا الإنزيم، تتوقف عملية بناء سلاسل السكر، مما يؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب.
التجارب على الفئران

من خلال التجارب التي أُجريت على الفئران السليمة، أظهرت النتائج أن تعطيل الإنزيم St3gal1 أدى إلى ظهور سلوكيات تشبه الاكتئاب، مثل الخمول والقلق. وعندما تم استعادة وظيفة هذا الإنزيم لدى الفئران المجهدة، تمكّن العلماء من عكس الأعراض. وهذا يشير إلى أن التعديل الجليكوزي في الدماغ له دور أساسي في تطور الاكتئاب.
آفاق العلاج المستقبلية
يقول بويونغ لي، الباحث الرئيسي في الدراسة: “هذه الدراسة تُظهر أن الجليكوزيل غير الطبيعي في الدماغ يرتبط ارتباطًا مباشرًا ببداية الاكتئاب، مما يمهد الطريق لعلاجات جديدة قد تكون أكثر فعالية من الأدوية الحالية التي تستهدف النواقل العصبية مثل السيروتونين.”
كما أشار سي. جاستن لي، مدير مركز القولون العصبي، إلى أن الاكتشاف قد يمتد ليشمل اضطرابات أخرى مثل الفصام واضطراب ما بعد الصدمة، معتبراً أن هذه النتائج تفتح آفاقًا جديدة لعلاج الحالات التي لا تستجيب للأدوية التقليدية.
التحديات المستقبلية
تشير هذه النتائج إلى أن علاج الاكتئاب قد يكون في طور التحول من التركيز على النواقل العصبية إلى التعامل مع التغيرات الجزيئية في الدماغ، مما يوفر أملًا لمرضى الاكتئاب الذين لا تستجيب حالتهم للأدوية التقليدية.
في النهاية، تفتح هذه الدراسة أبوابًا جديدة لفهم أعمق للآليات البيولوجية التي تؤدي إلى الاكتئاب، ما قد يسهم في تطوير علاجات مبتكرة وفعالة لهذا المرض المنتشر عالميًا.