فينيسيا، المدينة العتيقة التي تتلألأ بسحرها الخلاب، لم تكن يوماً مجرد خلفية للصور الجميلة، بل كانت دائماً مسرحاً حقيقياً للسينما والفن. منذ افتتاح أقدم مهرجان سينمائي في العالم عام 1932، أصبحت فينيسيا ملتقى صناع الأفلام، النجوم والمبدعات، حيث تتلاقى الروح التاريخية للمدينة مع الحداثة السينمائية في انسجام لا مثيل له. فما الذي يجعلها تتحول من مجرد مدينة سياحية إلى رمز عالمي للسينما؟
من البداية إلى الأسطورة.. ميلاد مهرجان فينيسيا
وُلد مهرجان فينيسيا السينمائي على يد جوزيبي فولبي، رئيس معرض بينالي فينيسيا آنذاك، وافتُتح في السادس من أغسطس 1932 على شرفة فندق إكسلسيور في ليدو بعرض فيلم الدكتور جيكل والسيد هايد. منذ تلك اللحظة، أصبحت المدينة نقطة التقاء عالمية للسينما، تستقبل أسماء كبيرة مثل فيسكونتي، فيلليني، كوروساوا، وسبيلبرغ، لتصبح فينيسيا رمزاً للتميز السينمائي والعراقة التاريخية.
فينيسيا والسينما.. خلفية لا تُنسى
تتمتع فينيسيا بعلاقة متينة مع السينما؛ مناظرها الخلابة وقنواتها المائية جعلتها موقعاً مثالياً للعديد من الأفلام العالمية، فعلى سبيل المثال:
-فيلم صيف 1955 من إخراج ديفيد لين يظهر جمال المدينة من خلال عيون سائحة أمريكية، ويخلد اللقاء الأول في مقهى فلوريان بين كاثرين هيبورن وروسانو برازي.
-فيلم إيفي غراي (2014) يظهر تفاصيل Sala delle Stagioni في مقهى فلوريان، بينما فيلم السيد الموهوب ريبلي (1999) يوثق ردهة المقهى الفريدة كخلفية درامية لا تُنسى.
خلال المهرجان، يتحول مقهى فلوريان إلى ملتقى للفنانين والمخرجين والمثقفين، حيث يمكن للزائرين الاستمتاع بتجربة فينيسية أصيلة، بين تناول القهوة وقراءة الصحف اليومية أو مراقبة تدفق النجوم على السجادة الحمراء في ساحة سان ماركو.
بينالي السينما 2025.. منصة للقضايا المعاصرة
من 27 أغسطس حتى 6 سبتمبر 2025، تتحول ليدو مرة أخرى إلى منصة عرض مفتوحة، يقودها المخرج الفني ألبرتو باربيرا وتحت رئاسة بيتراجيلو بوتافوكو.
تركز الدورة الثانية والثمانون على القضايا المعاصرة مثل تغير المناخ، المساواة بين الجنسين والحوار بين الثقافات. تشمل المنافسة خمسة أفلام إيطالية بارزة، أبرزها دوسي من إخراج أندريه روث شماه وإليسا من إخراج ماركو بيلوكيو، بينما سيكون فيلم الافتتاح لا جراتسيا للمخرج باولو سورنتينو. ويُمنح الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة لكل من كيم نوفاك وفيرنر هيرتسوغ، فيما يرأس لجنة التحكيم الدولية ألكسندر باين.
السياحة السينمائية.. من الشاشة إلى الواقع
لم تعد الأفلام مجرد تسلية، بل أصبحت عاملاً مؤثراً في اختيار الوجهات السياحية حول العالم. بحسب تقرير اتجاهات السفر لعام 2025، تعتمد ثلثا قرارات المسافرين على تجاربهم مع الأفلام والمسلسلات.
شهدت شركات السفر زيادة حادة فيما يُعرف بـ “السياحة السينمائية” خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الأفلام والمسلسلات عاملاً مؤثراً في اختيارات المسافرين. مسلسلات مثل White Lotus زادت الإقبال على فنادق ومنتجعات Four Seasons في تايلاند، حيث سعى الزوار لتجربة الأجواء الفاخرة التي ظهرت في المسلسل.
ولعبت العديد من الأفلام والمسلسلات دوراً مهماً في تعزيز نمو السياحة حول العالم، فشهدت نيوزيلندا طفرة كبيرة في عدد الزوار بعد عرض أفلام Lord of the Rings. وبالمثل، ساهم مسلسل جراند أوتيل في مصر في زيادة الإقبال على فندق سوفتيل، واستقطب موقع آيت بن حدو في المغرب السياح بعد تصوير فيلم Gladiator ومسلسل Game of Thrones.
تبلغ قيمة سوق السياحة السينمائية 73.4 مليار دولار عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل 7% سنويًا ليصل إلى 136.1 مليار دولار بحلول عام 2033، ما يعكس التأثير المتزايد للسينما على صناعة السفر والضيافة حول العالم.