يحتفل المصريون سنويًا بعيد “شم النسيم”، أحد أقدم الأعياد الشعبية المرتبطة بالهوية الثقافية والتاريخية لمصر، والذي يعود تاريخه إلى ما يقرب من 5 آلاف عام، حيث ابتدعه المصريون القدماء كعيدٍ للربيع وبعث الحياة، ويُعد من المناسبات الفريدة التي لا تعرفها شعوب أخرى في العالم.
وتحل المناسبة يوم الإثنين التالي مباشرة لعيد القيامة المجيد وفقًا لتقويم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والذي يتزامن مع شهر “برمودة” في التقويم القبطي، ورغم ارتباطه بالتقويم المسيحي، إلا أن “شم النسيم” يظل احتفالًا وطنيًا جامعًا للمصريين بمختلف معتقداتهم.
تاريخ وأصل التسمية
يعود أصل التسمية إلى كلمة “شمو” الفرعونية، والتي كانت تطلق على أحد فصول السنة وتعني الحصاد، ومع مرور الزمن وتحوّل اللغة، تطورت الكلمة لتصبح “شم النسيم”، في إشارة إلى نسائم الربيع واعتدال الجو.
عادات وطقوس متوارثة
يتميز الاحتفال بطقوس جماعية عائلية تشمل الخروج إلى الحدائق والمتنزهات، وتناول أطعمة ارتبطت بالمناسبة منذ العصور الفرعونية، مثل الفسيخ، والرنجة، والبصل، والخس، والحمص الأخضر (الملانة)، إضافة إلى عادة تلوين البيض.
البيض: رمز الحياة والخصوبة
في الثقافة الفرعونية، كان البيض يرمز إلى الخلق وبداية الحياة. وكان المصريون القدماء ينقشون عليه الدعوات والأمنيات بألوان طبيعية، ويضعونه في سلال من سعف النخيل أو يعلقونه في الحدائق، اعتقادًا منهم بأن نور الإله عند الشروق سيبارك هذه الأمنيات.
الفسيخ: رمز الخير والوفرة
يرتبط الفسيخ بالخير والرزق، وظهر لأول مرة في مائدة الاحتفال خلال عهد الأسرة الخامسة، وبرع المصريون القدماء في تجفيفه وحفظه، ليصبح عنصرًا أساسيًا في الطقوس الغذائية لهذا العيد.
ورغم بهجة العيد، شدد قسم الأحياء المائية بالمركز القومي للبحوث، على أهمية الحذر عند تناول الأسماك المملحة، مثل الفسيخ والرنجة، لما قد تحمله من مخاطر صحية إذا لم يتم حفظها أو إعدادها بطريقة سليمة، حيث قد تؤدي إلى الإصابة بالتسمم الغذائي أو البوتيوليني.
الفسيخ قد يقودك للمستشفى
”الفسيخ”، ذلك الكائن الغامض الذي قضى وقتًا في الظل – وتحت الشمس – وتحول من سمكة بريئة إلى قنبلة نكهية مملحة تنتقل من طبق إلى معدة.. ومنها أحيانًا إلى أقرب مستشفى.
المصريون لا يحتفلون بشم النسيم إلا على طريقتهم الخاصة ”فسيخ، رنجة، بصل، وبيض ملون”، وكأنهم يجهزون وليمة ملكية للفراعنة، ثم يأتي الفسيخ ليقول “أنا الملك هنا”، ويستعد البعض لتناول قطعة منه بحماس، لا يعرفون أنها قد تكون آخر لحظة قبل الاتصال برقم الطوارئ.
الفسيخ مش دايمًا فسيخ
يقول أحد المواطنين الناجين من فسيخ العام الماضي: “كنت فاكرني هموت من السعادة، طلعت هموت حرفيًا، بينما تروي إحدى السيدات أنها تذوقت الفسيخ، ثم شعرت بأن السمكة ترد الصاع صاعين، “كنت أنا اللي بتملّح من كتر العرق”.
ومع أن وزارة الصحة تحذر سنويًا من تناول الفسيخ غير الموثوق، إلا أن البعض يصر على شراءه من الباعة الجائلين الذين يحصلون عليه من مصادر غير موثوقة.