منذ بداية القرن العشرين، تبلورت القضية الفلسطينية لتصبح واحدة من أكثر قضايا الشرق الأوسط تعقيدًا وأثرًا في مستقبل المنطقة. مع تصاعد الهجرات اليهودية إلى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني، واندلاع التوترات والاشتباكات المسلحة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 قرارها رقم (181)، الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة عربية وأخرى يهودية، مع تدويل القدس.
القضية الفلسطينية
على الرغم من أن القرار لاقى تأييد 33 دولة، إلا أنه لم يتحقق الهدف الرئيسي منه، بل تسبب في اندلاع حروب تتابعت وتوسعت خلالها الهيمنة الإسرائيلية على معظم الأراضي الفلسطينية. ومنذ ذلك الحين، تحولت القضية الفلسطينية إلى محور الصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي أثّر بشكل كبير على مستقبل المنطقة وتسبب في تداعيات إنسانية جسيمة.
دور المملكة التاريخي
إيمانًا من المملكة العربية السعودية بأهمية إيجاد حل عادل للفلسطينيين، كان دعمها الثابت للقضية الفلسطينية أحد الركائز الأساسية في سياستها الخارجية منذ سنوات طويلة، وباتت القضية الفلسطينية في طليعة أولويات المملكة على المستوى العربي والدولي.
المواقف التاريخية للملوك السعوديين تجاه القضية الفلسطينية
ترجم الملوك السعوديون مواقفهم الثابتة من القضية الفلسطينية إلى أفعال ملموسة، حيث كانت المملكة العربية السعودية سباقة في التضامن مع فلسطين في مختلف المحافل الدولية.
الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- شارك في مؤتمر لندن الخاص بفلسطين عام 1939، وأرسل أبناءه للمشاركة في حرب 1948 دفاعًا عن فلسطين، تأكيدًا على دعم المملكة للحقوق الفلسطينية.
الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- دعم القضية الفلسطينية في مرحلة حساسة، حيث زار فلسطين عام 1935 حين كان وليًا للعهد، وقدم الدعم السياسي والمعنوي للمجتمع الفلسطيني، بالإضافة إلى تقديم فرص عمل للأسر الفلسطينية المتضررة.
الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله-، كان من أبرز الداعمين للجانب الفلسطيني في إطار إسلامي شامل، حيث دعا إلى عقد القمة الإسلامية الأولى في الرباط عام 1969 عقب حريق المسجد الأقصى، ليجعل من القضية الفلسطينية قضية إسلامية عالمية، داعيًا إلى ضرورة حماية القدس وحقوق الفلسطينيين.
في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، استمرت المملكة في حشد الدعم العربي والإسلامي، والعمل على توحيد المواقف من أجل التسوية العادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
دور المملكة في طرح الحلول السياسية: مبادرات السلام
الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- قدم مبادرة السلام في عام 1981، والتي تحولت إلى خطة السلام العربية في قمة فاس عام 1982. وقد ركزت المبادرة على إطار واقعي للتسوية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وسخّر الإعلام السعودي والعربي لدعم القضية الفلسطينية. كما قدمت المملكة الدعم المالي والإنساني للمجتمع الفلسطيني عبر قنوات رسمية وشعبية.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وأثناء فترة ولي العهد، اقترح في قمة بيروت 2002 المبادرة العربية للسلام التي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك في مقابل إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل.
الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في القمة العربية التاسعة والعشرون التي استضافتها المملكة في الظهران عام 2018، كرّس مركزية القضية الفلسطينية في وجدان الأمة العربية، وأعلن تقديم 150 مليون دولار لدعم الأوقاف الإسلامية في القدس و50 مليون دولار لوكالة الأونروا.
إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين
في 27 سبتمبر 2024، أطلق الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، بمشاركة دول عربية وإسلامية وعدد من الشركاء الدوليين، التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، داعيًا المجتمع الدولي للاعتراف بدولة فلسطين في إطار حل الدولتين الذي يعتبر حقًا أصيلاً للشعب الفلسطيني.
وفي 29 سبتمبر 2024، رحبت المملكة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بأن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، واعتبرت ذلك خطوة هامة نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
استضافة المملكة للاجتماعات الدولية
في 30 أكتوبر 2024، استضافت المملكة الاجتماع الأول للـ تحالف الدولي، مشددة على ضرورة وقف التصعيد الإسرائيلي وتفعيل آليات المحاسبة الدولية لتحقيق السلام، مع تحديد جداول زمنية لإنشاء الدولة الفلسطينية.
كما ترأست المملكة بالشراكة مع فرنسا في أبريل ومايو 2025 الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن التسوية السلمية، والذي أفضى في 28 يوليو 2025 إلى وثيقة ختامية تدعو إلى إنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى تسوية عادلة على أساس حل الدولتين.
تأكيد المملكة على دعم فلسطين في مختلف المحافل الدولية
في 12 سبتمبر 2025، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في إعلان نيويورك دعم حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بأغلبية 142 صوتًا، ما يُعد تأكيدًا على الإجماع الدولي بشأن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي 10 سبتمبر 2025، خلال افتتاح أعمال الدورة التاسعة لمجلس الشورى، أكد الأمير محمد بن سلمان – ولي العهد – أن المبادرة العربية للسلام أصبحت إطارًا دوليًا لتحقيق الدولة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الجهود السعودية أسهمت في زيادة الاعتراف الدولي بفلسطين