بينما يستعد كثيرون لرحلاتهم السياحية إلى أوروبا أو إفريقيا، جاء تحذير صحي مفاجئ قلب الموازين. فقد أصدر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تنبيهًا عاجلًا بشأن ارتفاع معدلات الإصابة بشلل الأطفال في بعض الدول، داعيًا جميع المسافرين إلى ضرورة التأكد من تلقي جرعات اللقاح كاملة قبل السفر. هذا التحذير يعيد إلى الأذهان مرضًا كان العالم يعتقد أنه أصبح جزءًا من الماضي، لكنه عاد ليطل برأسه من جديد في ظل تراجع نسب التطعيم وانتشار السفر الدولي.
الدول التي يشملها التحذير
شمل التنبيه أربع دول تشهد حالات إصابة بشلل الأطفال هي فنلندا وإسبانيا والمملكة المتحدة وكينيا. وأوصى المركز بأن يتلقى الراشدون الذين حصلوا على التطعيم سابقًا جرعة معززة لمرة واحدة مدى الحياة، مع التشديد على ضرورة اتباع إجراءات صحية إضافية مثل غسل اليدين باستمرار والحرص على شرب المياه المعدنية لتفادي انتقال العدوى.
شلل الأطفال يعود للواجهة
كان شلل الأطفال من أخطر الأمراض الفيروسية التي أرّقت البشرية لعقود طويلة قبل أن تحقق اللقاحات إنجازًا كبيرًا في تقليص انتشاره حتى كاد يختفي تمامًا، وبقي وجوده محصورًا في أفغانستان وباكستان. غير أن جائحة كورونا أوقفت كثيرًا من حملات التطعيم حول العالم، وهو ما سمح بعودة الفيروس للانتشار في دول جديدة لم تسجل حالات منذ سنوات. واليوم يعود المرض ليشكل تهديدًا صحيًا عالميًا يفرض على الجميع إعادة التفكير في أهمية اللقاحات.
خطورة المرض ومضاعفاته
ورغم أن معظم المصابين قد لا تظهر عليهم أي أعراض أو قد يمرون بأعراض خفيفة شبيهة بالإنفلونزا، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في الحالات النادرة التي تؤدي إلى شلل دائم. وتصبح المضاعفات أشد خطورة عندما تتضرر العضلات المسؤولة عن التنفس، وهو ما قد يتسبب في وفاة المريض. ويصف الأطباء شلل الأطفال بأنه مرض شديد العدوى ينتقل عن طريق الاتصال المباشر أو من خلال تناول طعام أو مياه ملوثة، كما يمكن أن يعيش في حلق وأمعاء المصاب وينتقل للآخرين حتى قبل ظهور الأعراض.
أسباب عودة الفيروس بعد السيطرة عليه
تراجع معدلات التطعيم هو السبب الأول لعودة المرض. فمع انشغال الأنظمة الصحية في العالم بمكافحة جائحة كورونا، تراجعت برامج التطعيم الروتينية في كثير من الدول، الأمر الذي خلق فجوة سمحت للفيروس بالانتقال مجددًا. كما أن حركة السفر الدولي بين الدول التي لا تزال تسجل حالات إصابة وتلك التي كانت قد أعلنت خلوها من المرض، ساهمت في انتقال العدوى وانتشارها. وإلى جانب ذلك، فإن تجاهل بعض المجتمعات لأهمية اللقاحات وعدم الالتزام بالجرعات المقررة جعل من السهل عودة شلل الأطفال إلى الواجهة.
انعكاسات صحية وسياحية
لا تتوقف خطورة هذا التحذير عند الجانب الصحي فقط، بل تمتد إلى السياحة وحركة السفر. إذ قد يتردد البعض في زيارة الدول التي أدرجت على قائمة التحذير، بينما يجد آخرون أنفسهم مضطرين لاتخاذ احتياطات إضافية مثل تلقي الجرعات المعززة أو الالتزام بتدابير وقائية مشددة، وهو ما يشكل ضغطًا على الحكومات ويدفعها إلى اتخاذ إجراءات استباقية لحماية قطاعي الصحة والسياحة معًا.
الوقاية قبل السفر هي الحل
في نهاية المطاف، يبقى اللقاح هو خط الدفاع الأقوى ضد شلل الأطفال. فهو لا يوفر حماية فردية فقط، بل يحمي المجتمعات بأكملها من انتشار العدوى. وتشير الهيئات الصحية إلى أن جرعة واحدة معززة قد تكفي لتأمين الحماية مدى الحياة، ما يجعل الالتزام بالتطعيم شرطًا أساسيًا للسفر الآمن. إن التهاون في هذا الأمر قد يفتح الباب أمام عودة أمراض كانت البشرية قاب قوسين أو أدنى من القضاء عليها نهائيًا، لذا يبقى التطعيم الحل الأكثر فاعلية للحفاظ على الصحة العامة وضمان مستقبل خالٍ من شلل الأطفال.