في تطور سياسي لافت، برز الدور الدبلوماسي السعودي كلاعب محوري في كسر الجمود بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد قطيعة دامت سنوات على خلفية الأزمات الجيوسياسية العالمية. وأسفرت هذه الجهود عن تمهيد الطريق للقاء نادر جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، في مدينة ألاسكا الأمريكية، بدعوة غير مسبوقة تمت بوساطة ودفع سعودي مباشر.
بوتين وترامب
قادت المملكة العربية السعودية خلال الأشهر الماضية مساعٍ دبلوماسية هادئة بدأت من العاصمة الرياض، وامتدت إلى قنوات تواصل غير معلنة بين موسكو وواشنطن، ساهمت في تهيئة مناخ التفاهم وتذويب الجليد بين القوتين النوويتين.
ويعد هذا اللقاء – الذي جرى في ظل أجواء مغلقة وبعيدًا عن وسائل الإعلام – الأول من نوعه منذ سنوات بين الزعيمين، وسط إشارات متزايدة على رغبة متبادلة في تخفيف التوترات الدولية، خصوصًا في ملفات الطاقة، والأمن السيبراني، والاستقرار في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية.
السعودية.. وسيط موثوق بين الشرق والغرب
ولم تكن هذه الوساطة مفاجئة للمتابعين، إذ لعبت السعودية خلال الأعوام الأخيرة دورًا متصاعدًا في هندسة التوازنات الدولية، خاصة بعد إثبات قدرتها على بناء الجسور بين أطراف متصارعة، كما حدث سابقًا في اتفاق بكين بين إيران والسعودية، والوساطات النشطة في ملفات السودان وأوكرانيا.
وتعكس هذه الخطوة ثقة متزايدة في النهج السياسي السعودي الجديد، الذي يجمع بين الواقعية والبراغماتية، ويستند إلى نفوذ اقتصادي عالمي، خاصة في مجال الطاقة، وعضوية المملكة في تكتلات مؤثرة كـ مجموعة العشرين، و”بريكس بلس”.
ماذا بعد اللقاء؟
بحسب مصادر دبلوماسية، فإن لقاء ألاسكا قد يشكل بداية مسار تفاوضي غير رسمي حول عدة ملفات عالقة، من بينها مستقبل العقوبات الاقتصادية، والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى جهود منع تصعيد الحرب في أوروبا، واستقرار أسواق الطاقة.
ولم يصدر حتى الآن بيان رسمي من البيت الأبيض أو الكرملين بشأن فحوى اللقاء، فيما تحفظت الرياض عن التعليق، مكتفية بالإشارة إلى “دعم أي جهود تؤدي إلى تخفيف التوترات وتعزيز السلام العالمي”.
في مساء الجمعة، اجتمع الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في قمة استثنائية في ولاية ألاسكا الأمريكية، حيث دامت المباحثات بينهما أكثر من ثلاث ساعات. وصف الطرفان الاجتماع بـ “البناء والمثمر”، بينما شدد بوتين في مؤتمر صحافي مشترك مع ترامب على أن هناك “تفاهماً” تم التوصل إليه قد يساهم في تحقيق السلام في أوكرانيا، رغم أنه لم يوضح تفاصيل الاتفاق.
ترامب وبوتين
ترامب، الذي بدت عليه إشارات التفاؤل، أكد أن الكرة الآن في ملعب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مشيراً إلى أنه عليه “بناء على هذه القمة” والعمل على الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب التي دخلت عامها الثالث.
السلام في أوكرانيا
وأوضح ترامب في تصريحاته بعد القمة على قناة “فوكس نيوز” أن “الدور الأكبر يعود الآن إلى زيلينسكي. الأمر يعود له، لكن على الدول الأوروبية أن تشارك كذلك في إيجاد الحلول.”
وفي الوقت الذي أشاد فيه ترامب بالقمة ووصفها بـ “عشرة من عشرة”، لم يتوصل الرئيسان إلى اتفاق حاسم، حيث أقر بوتين بأنه “تم الاتفاق على الكثير من النقاط، لكن هناك نقطة واحدة محورية” لم يتم الاتفاق عليها بعد. ورغم ذلك، أكد بوتين أن “التفاهم الذي تم التوصل إليه قد يفتح الطريق نحو السلام في أوكرانيا”، داعياً كييف والعواصم الأوروبية إلى التعاون مع روسيا في إيجاد تسوية سلمية.
غير أن القمة شهدت أيضاً دعوة غير متوقعة من بوتين لترامب لزيارة موسكو، حيث قال له الرئيس الروسي: “المرة المقبلة في موسكو”، وهو ما قابله ترامب بابتسامة قائلاً: “أعتقد أنني سأتعرض لانتقادات شديدة، لكنني أرى أنه أمر ممكن.”
ورغم التفاؤل الذي ساد المؤتمر الصحافي، فإن غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن القمة أثار القلق في أوروبا، حيث تخشى العديد من العواصم الأوروبية من أن يتم اتخاذ قرارات بشأن مستقبل أوكرانيا دون إشراكها في المفاوضات.
من جانب آخر، شدد بوتين على أن الأمن القومي الروسي مرتبط بشكل وثيق بالصراع في أوكرانيا، مطالباً بأن يتم أخذ “المخاوف المشروعة” لروسيا بعين الاعتبار، مشيراً إلى أن “أحداث أوكرانيا تهدد أمننا القومي بشكل مباشر”. وأكد على ضرورة استعادة “التوازن العادل في المجال الأمني في أوروبا والعالم ككل.”
في المقابل، ما تزال كييف ترفض الدعوات الروسية للتخلي عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف الناتو أو التنازل عن مناطقها الشرقية. وبدلاً من ذلك، تطالب كييف بضمانات أمنية في أي اتفاق سلام، بحيث لا يكون هناك تهديدات جديدة من روسيا.
وفيما تتواصل المباحثات بين موسكو وواشنطن، تبقى الأعين مشدودة على ما ستسفر عنه هذه المحادثات من نتائج، خاصة في ظل تعقيدات الوضع في أوكرانيا