على امتداد أكثر من 200 كيلومتر من المرتفعات الجبلية، تتحول مزارع منطقة عسير صيفًا إلى لوحات طبيعية تنبض بالحياة، حيث تمتزج الخضرة مع السحاب، وتتناثر الحقول والمدرجات الزراعية على سفوح الجبال في مشهد يبهج الزائرين. هذه المزارع لم تعد مجرد أماكن للزراعة، بل أصبحت وجهات سياحية متكاملة تجمع بين جمال الطبيعة وتنوع الإنتاج المحلي.
وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والتجارب الريفية
مع بداية الصيف، تستقبل مزارع عسير الزوار بتجربة فريدة تبدأ من التجول بين أشجار العرعر والسمر والطلح والسدر، مرورًا بمدرجات الجبال وبساتين الفاكهة، وصولًا إلى المناحل ومزارع الورد. هنا، يستطيع الزائر التعرف على طرق الزراعة التقليدية والحديثة، وعيش لحظات ترفيهية تناسب العائلات والأطفال، بفضل البرامج السياحية التي تنظم خصيصًا لهذا الغرض.
تطوير مستمر وخدمات مبتكرة
تزايد الإقبال على السياحة الزراعية دفع أصحاب المزارع للدخول في منافسة لتطوير خدماتهم، من خلال إنشاء بيوت محمية وحقول مفتوحة تنتج أصنافًا متنوعة على مدار العام. كما تم إطلاق برامج بيئية وتثقيفية تدعم مفهوم الاستدامة، وتفتح مجالات أوسع لزيادة دخل المزارعين المحليين.
عسير.. أرقام قياسية في الزراعة والإنتاج
وفقًا لمدير فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة في عسير، المهندس أحمد آل مجثل، تتصدر المنطقة قائمة الحيازات الزراعية في المملكة بأكثر من 159 ألف حيازة، وتنتج نحو 20% من إجمالي العسل في المملكة. كما تحتضن 40 مزرعة سياحية نشطة، بينها أكبر مزرعة للورد في السعودية، وتساهم بنسبة 14% من إنتاج الفاكهة على مستوى المملكة.
عائدات اقتصادية وفرص عمل جديدة
السياحة الزراعية في عسير أصبحت مصدر دخل مهم للمجتمع المحلي، إذ وفرت فرص عمل موسمية ودائمة للشباب والشابات في مجالات الإرشاد السياحي، الضيافة، وتسويق المنتجات الزراعية. وتشير التقديرات إلى أن عوائد هذا القطاع، المباشرة وغير المباشرة، تصل إلى عشرات الملايين من الريالات سنويًا.
منصة للتبادل الثقافي والحفاظ على التراث
بعيدًا عن الجانب الاقتصادي، تلعب هذه المزارع دورًا ثقافيًا واجتماعيًا، إذ تشكل منصات للتفاعل بين الزوار والمزارعين، وتسهم في إحياء الزراعة التقليدية والحرف الريفية، ما يحافظ على هوية المنطقة الزراعية وخصوصيتها البيئية.
نموذج وطني للسياحة الزراعية المستدامة
كل هذه المقومات جعلت من مزارع عسير مثالًا ناجحًا للسياحة الزراعية التي تمزج بين التراث والطبيعة. هنا، لا يكتفي الزائر بالمشاهدة، بل يصبح جزءًا من التجربة، وسط بيئة غنية بالتنوع الطبيعي والثقافي، ما يعزز مكانة عسير كإحدى أبرز الوجهات الزراعية والسياحية في المملكة.