في عالم تزداد فيه السيارات تعقيدًا وضخامة، ظهرت في ستينيات القرن الماضي سيارة مختلفة تمامًا، ليس فقط في حجمها بل في مفهومها الكامل، وهي Peel P50 التي صُممت في جزيرة مان البريطانية لتكون أصغر سيارة إنتاجية في العالم، ورغم مرور أكثر من ستة عقود على ظهورها الأول، لا تزال هذه السيارة الصغيرة تُثير فضول المهندسين، وتدهش محبي السيارات حول العالم بحكايتها غير العادية.
ميزة استثنائية
ما يُميز Peel P50 عن غيرها من السيارات هو أبعادها غير المسبوقة، فقد بلغ طول السيارة 137.2 سم فقط، بينما لا يتجاوز عرضها 99.1 سم، مما يجعلها فعليًا أقل من عرض باب غرفة، ويبلغ وزنها 59 كيلوجرامًا فقط، أي أنها أخف من بعض الدراجات النارية، وهو ما يُفسر سبب قدرتها على التحرك يدويًا بسهولة، حيث أنها لم تكن مزودة بناقل حركة للخلف، بل تم تزويدها بمقبض خلفي يسمح بدفعها يدويًا.
تستوعب هذه السيارة شخصًا واحدًا فقط، مع إمكانية وضع كيس صغير للتسوق، وقد صُممت خصيصًا لتناسب التنقل اليومي داخل المدن المزدحمة، دون أن تشكل عبئًا على المساحات أو مواقف السيارات.
بساطة التصميم
تحتوي السيارة على باب واحد فقط يقع على الجهة اليسرى، ومصباح أمامي واحد، ومسّاحة زجاج بسيطة، وكان يتم تسويقها في الستينيات على أنها وسيلة نقل حضرية اقتصادية، ومن الناحية الجمالية، توفرت بألوان محددة شملت الأبيض “ديتونا”، الأحمر “تنين”، والأزرق الداكن، ما أضفى لمسة كلاسيكية أنيقة على شكلها الكوميدي.
وقد اكتسبت شهرة عالمية إضافية عندما ظهرت في برنامج “Top Gear” البريطاني، حيث قادها الإعلامي جيريمي كلاركسون داخل مبنى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، في حلقة شاهدة أكثر من 100 مليون شخص حول العالم، لتُصبح واحدة من أكثر اللحظات الطريفة شهرة في تاريخ البرنامج.
إنتاج محدود
لم يتجاوز إنتاج Peel P50 عدد 50 وحدة خلال الفترة الأصلية بين عامي 1962 و1965، واليوم لا يُعرف إلا عن وجود 27 سيارة فقط من النسخ الأصلية، هذه الندرة جعلت منها قطعة فنية ثمينة في أعين جامعي السيارات الكلاسيكية، حيث تم بيع إحدى النسخ عام 2016 في مزاد سوذبيز بسعر تجاوز 176 ألف دولار أمريكي، فيما بيعت نسخة أخرى في 2013 بأكثر من 120 ألف دولار، مما يجعلها من أغلى السيارات الكلاسيكية الصغيرة في العالم مقارنة بحجمها.
نسخة كهربائية
في عام 2010، عاد مشروع Peel P50 إلى الحياة مجددًا عبر برنامج الاستثمار البريطاني “Dragons’ Den”، حيث نجح المستثمران “غاري هيلمان” و”فيصل خان” في جذب تمويل لإعادة إنتاج السيارة بنسخ محدّثة، وقد بدأت الشركة في تصنيع نسخ تعمل بالوقود وأخرى كهربائية، ليتم لاحقًا الاكتفاء بخيارين رئيسيين، وهما نسخة تعمل بمحرك بنزين، ونسخة كهربائية بالكامل، وكلاهما يُصنعان يدويًا حسب الطلب داخل المملكة المتحدة، ويتم تصديرهما إلى عدد من الأسواق العالمية كهواية أو وسيلة نقل ترفيهية.
تحفة ميكانيكية
غم بساطة تصميمها ومحدودية استخدامها، أثبتت Peel P50 أن الابتكار لا يتطلب دائمًا ضجيجًا أو ميزانيات ضخمة، بل يكفي أن تحمل فكرة واضحة، وحاجة واقعية، وتنفيذ ذكي، لقد حجزت هذه السيارة الصغيرة جدًا مكانًا كبيرًا في تاريخ صناعة السيارات، ليس لأنها الأسرع أو الأقوى، بل لأنها الأكثر تفرّدًا واختلافًا، وجعلت من “الحجم الصغير” عنوانًا للدهشة.