المحتويات
يقف قصر علياء الأثري شامخًا على الضفة اليسرى لوادي الغائضة، جنوب شرق محافظة رابغ بمنطقة مكة المكرمة، على بعد 18 كيلومترًا من المحافظة، وشمال ميقات الجحفة بخمسة كيلومترات فقط.
ويُعد هذا القصر واحدًا من أبرز المعالم الأثرية الواقعة على درب الحج القديم، الذي كان يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث لعب دورًا حيويًا في احتضان الحجاج والقوافل التجارية عبر العصور.
قصر علياء الأثري شاهدٌ على تاريخ مدينة “مهيعة” المندثرة
يتموضع قصر علياء كجزء من مدينة تاريخية اندثرت منذ أوائل العصر العباسي، وتُعرف باسم مهيعة، وهي مدينة الجحفة القديمة التي لم يتبقَّ منها اليوم سوى أساسات لمبانٍ مشيدة من صخور البازلت الأسود، إضافة إلى كسر فخارية مزججة بألوان مختلفة، خاصة الأخضر، تدل على عمقها الحضاري.
ويأخذ القصر شكل قلعة متهدمة ذات طراز معماري عباسي، ويجسد بناءً سكنيًا مربع الشكل تبلغ أبعاده نحو 26 مترًا.
ويتوسطه فناء داخلي واسع، تحيط به جدران من الجهات الأربع، في دلالة على الدقة المعمارية التي تميز بها العصر العباسي.

قصر علياء الأثري: خصائص معمارية فريدة واستخدامات استراتيجية
تم بناء قصر علياء باستخدام البازلت الأسود المستخرج من الجبال المحيطة بالموقع، ما يضفي عليه طابعًا بصريًا ومعماريًا مميزًا.
وقد تم العثور في الموقع على كسر فخارية وزجاجية مزججة، يمكن من خلالها تحديد الفترة الزمنية التي يعود إليها القصر، مما يؤكد أهميته في التوثيق الأثري والتاريخي للمنطقة.
ووفقًا لما أورده الدكتور ناصر الحارثي في المعجم الأثري لمنطقة مكة المكرمة، فإن تسمية “قصر علياء” ترتبط برواية تراثية تنسبه إلى أبي زيد الهلالي وزوجته علياء، حيث اعتاد أهل البادية إطلاق هذا الاسم على كل بناء مرتفع في المنطقة.
جهود هيئة التراث في حماية قصر علياء
تولي هيئة التراث السعودية أهمية كبرى للحفاظ على القلاع والحصون الإسلامية مثل قصر علياء، في إطار جهودها الشاملة لحماية التراث العمراني الوطني.
وتشمل هذه الجهود عمليات التوثيق والمسح الأثري، واستخدام تقنيات حديثة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد لتسجيل التفاصيل المعمارية بدقة عالية.
كما أدرجت الهيئة قصر علياء ضمن السجل الوطني للآثار، وتسعى إلى ترميمه وتأهيله ليصبح جزءًا حيًا من التراث الثقافي للمملكة العربية السعودية.
وتأتي هذه الخطوات في سياق التعاون البحثي بين الهيئة وجامعة إكستر البريطانية، والذي يشمل أعمال تنقيب ومسح أثري في مواقع عديدة على درب الحج التاريخي بين مكة والمدينة.

تراث مغطى بالرمال ينتظر الكشف
ورغم القيمة التاريخية والمعمارية الكبيرة لقصر علياء، إلا أنه لا يزال مغطى بالرمال، ويحتاج إلى تنقيب علمي دقيق ودراسة أثرية متعمقة لكشف مزيد من أسراره، وتوثيق ملامح المدينة التي كانت تحيط به، وتحديد وظائف مبانيها الأخرى التي لم يبقَ منها إلا القليل.