المحتويات
في مشهد روحاني خالد، احتضن جبل الرحمة اليوم، جموع الحجيج الذين توافدوا إليه منذ ساعات الصباح الأولى، وقد افترشوا سفوحه ورفعوا أكفهم بالتضرع والدعاء، مستشعرين عظمة الوقوف في يوم عرفة، الذي وصفه النبي ﷺ بقوله: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة.”
جبل الرحمة
ويقع جبل الرحمة في قلب مشعر عرفات، على بُعد نحو 17 كيلومترًا من المسجد الحرام، ويبلغ ارتفاعه قرابة 65 مترًا عن سطح الأرض، وهو من أبرز المعالم في المشاعر المقدسة، لما له من ارتباط وثيق بسيرة النبي محمد ﷺ، إذ وقف عليه خطيبًا في حجة الوداع، عند الصخرات الشهيرة التي لا تزال شامخة حتى اليوم، شاهدة على أعظم خطب التاريخ الإسلامي.
يوم عرفة
وشهد الجبل اليوم توافدًا كثيفًا من ضيوف الرحمن، الذين وحّدتهم مشاعر الرجاء والابتهال، في لوحة إنسانية جامعة تماهت فيها الألوان واللغات، وتوحدت الأصوات بنداء التلبية: “لبيك اللهم لبيك.” ارتفعت الأدعية، وعمّت السكينة، فيما ارتسمت ملامح الخشوع والانكسار على وجوه الحجيج، في مشهد يفيض بالإيمان والتجرد.
وتحظى منطقة جبل الرحمة بعناية كبيرة من القيادة الرشيدة -أيدها الله-، حيث نُفذت مؤخرًا مشروعات نوعية ضمن جهود تحسين بيئة المشاعر المقدسة، شملت توسعة المنطقة المحيطة بالجبل على مساحة بلغت نحو 196 ألف متر مربع، وتركيب مظلات على مساحة 1,200 متر مربع، مزوّدة بـ 129 مروحة رذاذ لتخفيف أثر الإجهاد الحراري وتلطيف الأجواء، ما يُسهم في توفير بيئة مريحة وآمنة للحجاج.
ويُعرف الجبل بعدة أسماء، منها: “جبل الدعاء” و**”جبل الموقف”**، وجميعها تعكس البُعد الروحي العميق الذي يحمله هذا الموقع التاريخي، حيث يقف الحجاج بين يدي الله في أعظم يوم من أيام الحج، يُجددون العهد بالإيمان، ويطلبون الغفران، مستشعرين قربهم من الخالق في لحظات تتجلّى فيها السكينة والطمأنينة.
ويُجسّد مشهد جبل الرحمة ذروة رحلة الحج الإيمانية، حيث تتلاقى القلوب من مشارق الأرض ومغاربها في لحظة واحدة، على صعيد واحد، تذوب فيها الفوارق، وتُرفع فيها الأكف طلبًا للرحمة، في مشهد سنوي فريد لا يشبهه مشهد آخر في العالم.