في مطار سبها، جنوب ليبيا، وبين جموع الحجاج المودّعين، كان الشاب عامر المهدي منصور القذافي يحمل قلبًا لا يعرف اليأس، ونية لا تساومها الظروف. جاء متأخرًا قليلًا عن رفاقه إلى صالة المغادرة، يحمل جواز سفره وتلهفًا لا يوصف لرؤية الكعبة، غير أن مفاجأة غير سارة كانت بانتظاره، السلطات الأمنية رفضت سفره بسبب إشكال في بيانات جوازه.
الحجاج صعدوا إلى الطائرة واحدًا تلو الآخر، والمقاعد امتلأت، وعامر بقي في المطار، يصارع خيبة أمل ثقيلة. جاءه مدير الأمن، طأطأ رأسه وقال له: “مش مكتوبة لك.. الطيارة مشيّت”. لكن عامر لم يقبلها قدرًا، رفع عينيه بثبات وقال: “إن شاء الله ما تطير، أنا نيتي الحج، وبإذن الله نركب”.
ولأن النوايا لا تضيع عند الله، وما هي إلا دقائق حتى دوى نداء في أرجاء المطار: الطائرة عادت بسبب عطل مفاجئ، حسبما ذكر عامر لي تصريحات إعلامية، وعاد الأمل، وعاد الطاقم لفتح الباب، لكن الطيار رفض إدخال عامر مجددًا. الموقف بدا وكأنه النهاية. غادرت الطائرة للمرة الثانية.. وعامر ظلّ في مكانه، لا يتحرك.
وبحسب ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، قال له مدير الأمن: “يا عامر، مش نصيبك”، فردّ بثقة لا تتزعزع: “هذه الطيارة راجعة لي، مش حنخرج من هنا”. وبالفعل، وكأن السماء سمعت دعاءه، هبّت رياح غريبة دفعت الطائرة للعودة مجددًا. هذه المرة، يقول عامر: “الطيار بنفسه قال: والله ما نطلع إلا لو عامر ركب”.
ركب عامر الطائرة أخيرًا، وسط دموع الأمن وابتسامات الركاب، وتوثّقت لحظة صعوده بكاميرات هواتف المودّعين، وهم يهتفون: “ادعيلنا يا شيخ عامر.. بركاتك”. التقط صورًا مع طاقم الطائرة، وغادر مطار سبها، حاملًا معه قصة لا تُنسى.
انتشر مقطع رحلته على منصات التواصل، وكتب أحد المتابعين متأثرًا: “ماذا بينك وبين الله يا عامر؟ مرتين تطير الطيارة وترجع علشانك؟”، وكتب آخر: “إذا أراد الله لك أمرًا، سيُسخّر لك الطيار والريح والسماء.. حج مبرور يا عامر”.
وهكذا، تحوّلت قصة تأخر مؤلم إلى معجزة صغيرة، تروي كيف أنّ الإصرار، حين يتوضأ باليقين، يُعيد الطائرات من السماء.