في رحلة امتدت لأكثر من تسعين عامًا، سطّر التعاون السعودي الأمريكي في مجال الآثار واحدة من أروع الشراكات العلمية والثقافية، حيث ساهم هذا التعاون في الكشف عن صفحات مجهولة من تاريخ الجزيرة العربية، وعزز مكانة التراث الوطني السعودي على خريطة العالم الأثري.
زيارة ترامب في السعودية
بدأت الحكاية في ثلاثينيات القرن الماضي، حينما لم يكن النفط قد بدأ في رسم ملامح المملكة الحديثة بعد، لكن العاملين في شركة أرامكو، الذين جاؤوا للتنقيب عن الذهب الأسود، اكتشفوا شيئًا آخر… كنوزًا مدفونة تحت الرمال.
الشراكة الأثرية بين السعودية وأمريكا
في عام 1934، التقط الطيار الأمريكي “جو مارتن” صورًا جوية لمواقع أثرية في المنطقة الشرقية، لا تزال إلى اليوم مرجعًا أرشيفيًا نادرًا للباحثين. وفي عام 1940، وثّق موظفو أرامكو قرية “الفاو”، والتي أصبحت لاحقًا واحدة من أبرز المواقع الأثرية في المملكة.
ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الفضول الفردي إلى جهد علمي منظّم. ففي عام 1952، قام عالم الأنثروبولوجيا “ريك فيدال” بتوثيق مدافن أثرية في الظهران، تبعها الباحث “ألبرت جام” الذي عمّق الفهم بالنقوش العربية القديمة من خلال دراسته الممتدة بين عامي 1963 و1968.
وفي عام 1977، انطلقت أول بعثة أثرية سعودية أمريكية رسمية بقيادة “يوريس زارينس”، حيث أجرت مسوحات واسعة في المنطقة الشرقية شملت جزيرتي دارين وتاروت، واستمر هذا المشروع حتى منتصف الثمانينيات.
أما في العصر الحديث، فقد تجددت الشراكة، وارتفعت وتيرة الاكتشافات. أحد أبرز هذه المشاريع تقوده جامعة ميامي الأمريكية منذ عام 2009 في موقع “جرش” بمنطقة عسير، حيث جرى الكشف عن وحدات معمارية وطرق مرصوفة وهياكل دفاعية، تعكس حضارة متجذرة في التاريخ.
وتؤكد هيئة التراث السعودية أن هذه الجهود تأتي ضمن استراتيجيتها الوطنية لتعزيز الوعي بالتراث، بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات العالمية، وفي مقدمتها الشركاء الأمريكيون. كما تصب هذه المشاريع في خدمة رؤية المملكة 2030، التي ترى في التراث رافدًا للهوية ومصدرًا للفخر الوطني.
وفيما تتسع رقعة الاكتشافات، وتضيء الأبحاث زوايا جديدة من تاريخ الجزيرة، تبقى الصور الأولى التي التقطها الطيار “جو مارتن” شاهدًا على أن أولى خطوات هذا التعاون لم تكن مجرد صدفة… بل بداية لقصة عظيمة تُكتب فصولها حتى اليوم.