في ليلة استثنائية من ليالي لندن، حيث يمتزج عبق التاريخ بجمال الإنجاز، احتضن قصر لانكاستر العريق حفل توزيع “جائزة المرأة العربية 2025″، وسط حضور دبلوماسي وثقافي رفيع، وجو من الفخر العربي الممزوج بالتقدير العالمي.
ففي هذا المشهد المهيب، اجتمعت نساء عربيات من مختلف الدول تحت سقف واحد، ليس فقط لتلقي التكريم، بل لكتابة فصل جديد في كتاب الإنجاز، ولتقديم صورة مشرقة عن المرأة العربية التي تجاوزت التحديات وتألقت في مجالات كانت حتى وقت قريب حكرًا على غيرها.
الدكتورة نجاة مختار أقنوع
من بين المكرمات، برز اسم الدكتورة نجاة مختار أقنوع، العالمة المغربية التي تقف اليوم في الصفوف الأولى داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم يكن تكريمها مجرد تقدير، بل اعتراف عالمي بمسيرة علمية شقّت طريقها وسط المعادلات النووية لتصل إلى قمة القيادة العلمية.
وتُعد نجاة مختار أول امرأة عربية تتولى منصب نائبة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تشغل أيضًا رئاسة قسم العلوم والتطبيقات النووية، منذ يناير 2019.
ويُعد هذا التتويج اعترافًا بجهودها في مجالات البحث العلمي، وتفانيها في النهوض بمكانة المرأة في المؤسسات العلمية الدولية.
وُلدت مختار بإقليم تاونات، وبدأت مشوارها الأكاديمي في جامعة محمد الخامس بالرباط، قبل أن تنتقل إلى فرنسا حيث حصلت على دكتوراه في علوم الأغذية من جامعة ديجون.
السعودية منار المنيف
في إنجاز جديد يُضاف إلى سجل المرأة السعودية، حصدت الدكتورة منار المنيف جائزة “القيادة التحويلية” لعام 2025، تقديرًا لمسيرتها المتميزة وجهودها الريادية في مجال الاستثمار والطاقة المتجددة، وذلك ضمن فعاليات جائزة المرأة العربية.
تشغل الدكتورة المنيف منصب الرئيس التنفيذي للاستثمار في مشروع نيوم، حيث تقود استراتيجيات الاستثمار، وتعمل على تطوير وتنفيذ مبادرات النمو، وبناء شراكات استراتيجية تواكب رؤية المشروع الطموحة.
بخبرة تمتد لأكثر من 20 عامًا، أثبتت المنيف قدرتها على تحقيق التحول في الأداء التشغيلي والمالي داخل مؤسسات معقدة ومتعددة الجنسيات. وقد شغلت خلال مسيرتها عددًا من المناصب القيادية البارزة، من بينها رئيسة ومديرة تنفيذية لشركة GE للطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، حيث تولّت قيادة مشاريع الرياح والطاقة المتجددة وساهمت في إدماج التكنولوجيا والخدمات الرقمية لتطوير القطاع.
كما تولت سابقًا منصب مدير عام قطاع الصحة وعلوم الحياة بالهيئة العامة للاستثمار (سابقًا SAGIA)، حيث عملت على جذب الاستثمارات المعرفية وتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية.
تحمل الدكتورة المنيف درجة الدكتوراه في الوراثة وعلم الأورام الجزيئي من جامعة ليستر البريطانية، إضافة إلى ماجستير تنفيذي في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد الأمريكية.
يُعد تكريم الدكتورة منار المنيف تأكيدًا على دور المرأة السعودية الرائد في رسم ملامح المستقبل، وتأكيدًا على قدرة الكفاءات النسائية على المساهمة الفاعلة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
قصص تحفر بالذاكرة
الحفل الذي أقيم بالتزامن مع “قمة المرأة العربية” لم يكن مجرد توزيع جوائز، بل منصة عرض حقيقية للقصص التي لا تُروى دائمًا في العناوين، لكنها تُحفر في الذاكرة.
الشيخة حصة بنت خليفة
حصلت سمو الشيخة حصة بنت خليفة آل خليفة على جائزة الإنجاز في تنمية المجتمع لعام 2025، تقديراً لمسيرتها الحافلة بالإنجازات في مجالات العمل الاجتماعي والاقتصادي وتمكين المرأة.
تحمل سموها درجة الماجستير في التمويل التنموي من جامعة SOAS بلندن، وماجستيراً في السياسات الاجتماعية والتخطيط من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، بالإضافة إلى درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة نفسها.
وعلى الصعيد المهني، تولت سموها مناصب قيادية عدة، أبرزها رئاسة مجلس إدارة “إنجاز البحرين”، و”بنك السلام” الذي شغلت فيه منصب رئيسة مجلس الإدارة من 2012 حتى 2018، لتكون أول امرأة تترأس بنكاً في مملكة البحرين.
تلعب سموها دوراً فاعلاً في المبادرات الوطنية، إذ تشغل عضوية المجلس الأعلى للمرأة منذ عام 2004، كما تترأس “جائزة الشيخة حصة بنت سلمان آل خليفة للعمل التطوعي الشبابي”، وتشارك في “لجنة رائدات الأعمال البحرينيات”، التي تأسست بتوجيه من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة.
وقد حازت سموها عدداً من الجوائز والتكريمات المرموقة، منها وسام الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 2013، و”وسام رائد العمل الاجتماعي” من وزراء الشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون الخليجي عام 2023، إلى جانب “جائزة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة للعمل التطوعي”. كما اختارتها مجلة فوربس عام 2012 ضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية، حيث احتلت المرتبة الـ62.
وفي عام 2017، حصلت على لقب “شخصية العام في المسؤولية الاجتماعية” نظير إسهاماتها البارزة في دعم ريادة الأعمال وتعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية.
اللبنانية نهلة حيدر العدّل
حازت السيدة نهلة حيدر العدّل على جائزة الإنجاز في التنمية الاجتماعية لعام 2025، تقديرًا لمسيرتها الدولية الحافلة التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود في خدمة العدالة وحقوق الإنسان.
تتولى حاليًا رئاسة لجنة الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، كما تشغل عضوية اللجنة الدولية للحقوقيين (ICJ)، وهي من أبرز الأصوات القانونية في مجال حقوق المرأة والتنمية الاجتماعية على المستوى العالمي.
قبل ذلك، أدت السيدة حيدر مهامًا متعددة ضمن منظومة الأمم المتحدة، في المقر الرئيسي وفي الميدان، وغطّت أعمالها مجالات التنمية الاجتماعية، والعمل الإنساني، وبناء السلام، وحقوق الإنسان. كما تولّت مهمة المقررة الخاصة لإعداد التوصية العامة رقم 37 الصادرة عن لجنة “سيداو”، والتي تناولت أبعاد النوع الاجتماعي في الحد من مخاطر الكوارث في سياق تغير المناخ.
تحمل السيدة نهلة العدّل درجة ماجستير في القانون (LLM) من جامعة السوربون (Panthéon-Sorbonne) في باريس، إلى جانب شهادة في القانون الدولي من جامعة القديس يوسف في بيروت، كما نالت مؤهلًا جامعيًا في علم الاجتماع.
اللغة العربية هي لغتها الأم، وتجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، إضافة إلى إلمامها الجيد باللغة الإسبانية.
الشيخة بيبي الصباح
كرّمت جائزة 2025 الشيخة بيبي دعيج الجابر الصباح تقديرًا لدورها الريادي في صون التراث النسجي الكويتي، عبر جهود امتدت لأكثر من عقد في دعم الحرف اليدوية وتعزيز الهوية الثقافية.
بعد إنهاء دراساتها العليا، انتقلت الشيخة بيبي من مجال التدريس إلى العمل الثقافي والخيري، حيث تولت رئاسة “جمعية السدو”، لتقود تحولًا استراتيجيًا جعل من هذه الجمعية ركيزة في حفظ الحرف التراثية وتطويرها بما يتماشى مع متطلبات العصر.
تحت قيادتها، تبنّت الجمعية الابتكار في التعليم، وأطلقت شراكات مع وزارة التربية الكويتية منذ 2018 لإدخال مناهج وطنية في فن النسيج. كما أنشأت “مطحنة الصوف المستدام” لإنتاج خيوط عالية الجودة من الصوف المحلي باستخدام أساليب صديقة للبيئة.
وخلال فترة إدارتها، حظيت “حياكة السدو التقليدية” باعتراف من اليونسكو، وتم اعتماد برنامج “تدريب المدربين” كنموذج رائد لحماية الممارسات الثقافية، وهو إنجاز غير مسبوق في العالم العربي. وفي عام 2022، تم اعتماد الجمعية كمنظمة استشارية لدى اليونسكو، وقدمت الشيخة بيبي ورقة عمل ومعرضًا في مقر المنظمة بباريس.
كما ساهمت بشكل فعّال في المحافل الدولية، حيث نالت الجمعية صفة مراقب لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وأسهمت بمقالة متخصصة في حماية التراث الثقافي ضمن الأطر القانونية الدولية.
وفي مبادرة إنسانية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، نظّمت ورش نسيج للاجئات في الإسكندرية، دعمًا للتمكين المجتمعي.
محليًا، كان لمبادرتها في تطوير “شارع السدو” بالكويت أثر بالغ في تحويل الفضاء الحضري إلى منصة حية للاحتفاء بتراث النسيج، ما ساهم في إعلان مدينة الكويت “عاصمة الحرف العالمية للسدو” لعام 2025 من قبل مجلس الحرف العالمي.
صنع القرار
“جائزة المرأة العربية” لم تكن فقط تكريمًا لإنجاز، بل كانت دعوة لمستقبل، جلسات حوارية، وورش عمل، ونقاشات عميقة حول تمكين المرأة، أطلقت رسالة مفادها أن الوقت حان لتكون المرأة العربية في مركز صنع القرار، لا في هامشه.
“أهلاً بالعالم”.. من لندن
تكرّرت عبارة “أهلاً بالعالم” في أروقة الحفل، ليست شعارًا، بل واقعًا، حيث كانت كل امرأة مكرّمة سفيرة لتجربة، ورسولة لقضية، وصوتًا لمستقبل تُراد له قيادة نسائية.
وفي نهاية الحفل الذي أقيم في فندق “ذا كارلتون تاور جميرا”، غادرت الضيفات المكان وهن يحملن أكثر من درع تذكاري، بل يحملن مسؤولية إكمال الطريق، ونقل المشعل لأخريات يستعدن للصعود على ذات المنصة في الأعوام القادمة.