بقلم السيد/ راجندرا بتكار، الرئيس التنفيذي وكبير مدراء التقنيات في شركة تاتا موتورز
يمر قطاع الصناعات اللوجستية في المملكة العربية السعودية حاليا بمرحلة هامة على صعيد التحول لتحقيق الأهداف الطموحة التي نصت عليها رؤية السعودية 2030، ومع اتجاه المملكة نحو تنويع قاعدتها الإقتصادية وتعزيز موقعها الإقليمي والدولي كمركز هام للتجارة العالمية، فإن قطاع النقل والصناعات اللوجستية سوف يكون بمثابة حجر الأساس لمثل هذا التحول بصورة أساسية، ومما يعزز من هذا الأمر التوقعات التي تشير إلى توسع هائل في قطاع الصناعات اللوجستية في المملكة بفضل الإستثمار الكثيف في البنية التحتية والإبتكار دعما للأهداف الإقتصادية للمملكة، والتي ارتأت التركيز على هذا القطاع الحيوي القادر على تعزيز المرور السهل للسلع والخدمات والنمو المستدام بالتوازي مع توسع المدن السعودية ديموغرافيا وعمرانيا، بما في ذلك المناطق الإقتصادية في إطار رؤية المملكة 2030.
ومع انتقال الصناعة السعودية نحو آفاق ومستقبل أكثر ” نقاء “، فقد بات من الضروري تحول قطاع النقل في المملكة نحو استخدام الشاحنات العاملة بالوقود الأخضر، والاعتماد بصورة أكبر على الإدارة الذكية والتقنيات المساعدة للسائقين، الأمر الذي يتطلب أسلوبا متطورا وأكثر تنوعا وبعدا عن الوضع الذي كانت فيه الشاحنة الواحدة وذات الحجم الواحد تستخدم في العديد من العمليات التشغيلية دون مراعاة لطبيعة كل عملية من تلك العمليات. ومن هنا، حرصت شركة تاتا موتورز على صياغة استراتيجيات مخصصة لكل استخدام وعملية تشغيلية، مع الأخذ بعين الاعتبار اتجاه المملكة العربية السعودية في وقت مبكر من هذا العام نحو تطبيق معايير الإنبعاثات البيئية Euro V سعيا منها إلى الحد من غاز الكربون المنبعث من أساطيل الشاحنات العاملة على أراضيها. وخطوة كهذه لا شك أنها تندرج ضمن رؤية المملكة الأشمل حول الاستدامة، وتعزز من توجهها نحو تبني وسائل نقل صديقة للبيئة من شأنها دعم أهدافها نحو تحقيق صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2060.
أسلوب متعدد الأوجه لإنشاء قطاع لوجستي نظيف
إنطلاقا من رؤيتها التي تتطلع نحو مستقبل مستدام، خطت المملكة خطوات جريئة نحو تعزيز قطاع النقل “النظيف”، والتركيز على المركبات والآليات العاملة بالوقود البديل، بما في ذلك العمليات التشغيلية المتكاملة العناصر ” Closed-loop Operations ” المستخدمة في الشاحنات العاملة لمسافات أقصر وذات الأحمال الأقل، والتي ستستفيد من الطاقة الكهربائية ونقاط الشحن السريعة والفعالة، مع الاهتمام بجعل عمليات النقل بالشاحنات العاملة بالهيدروجين والغاز الطبيعي لمسافات طويلة أكثر جدوى وفعالية. مما يدلل على أن خلايا وقود الهيدروجين الخالية من الغازات الضارة بالبيئة وقدرة الشاحنات على العمل لمدى أبعد باتت كلها من المبشرات في عالم النقل، والتي تجلت بإطلاق المملكة مؤخرا أول شاحنة هيدروجين، مما يعد مرحلة هامة على طريق بناء مسقبل أكثر استدامة في قطاع النقل وغيره من القطاعات الأخرى.
ومع تطلعنا نحو المسقبل، نرى بأن نمط النقل المتعدد الأوجه القائم على أنواع مختلفة من الوقود المخصصة لأنواع مختلفة من الشاحنات سوف يمهد الطريق نحو قطاع لوجستي ” أكثر نظافة “، وهو الأمر الذي يعكس بوضوح التزام شركة تاتا موتورز بتعزيز هذا التوجه للانتقال نحو قطاع نقل مستدام من خلال ابتكار أجيال متطورة من الشاحنات ” الخضراء “. وقد قامت الشركة بالفعل بتطوير محركات تعمل بالبطاريات الكهربائية، وخلايا الوقود والكهرباء معا، والغاز الطبيعي المسال، والوقود الثنائي، والغاز الطبيعي المضغوط، والهيدروجين الداخلي الاحتراق. كما حرصت على إنشاء بنية تحتية مخصصة لمركباتها بغية تكييفها بسرعة لتتناسب مع استخدامات ومتطلبات وقود معينة.
من خلال متابعة أعمال الشركة بدا واضحا التزامها بالحد من غازات الكربون، وذلك من خلال إقامتها لمركزين مخصصين لأعمال البحث والتطوير مؤخرا في الهند، مع حرصها على تزويدهما بأحدث معدات تصميم وتطوير واختبار محركات احتراق الهيدروجين الداخلي، هذا إلى جانب منشآت معدة لتخزين وتوزيع الهيدروجين المخصص لتقنية خلايا الوقود التي تعمل الشركة على تطويرها حاليا.
السلامة أولوية
على الرغم من التحول نحو تقنيات الوقود البديلة والاهتمام البالغ به، إلا أن عنصر السلامة بقي ضمن الأولويات التي تعمل تاتا موتورز على تحقيقها، معتمدة في ذلك على خبرتها الطويلة في مجال تصنيع المركبات، والتي مكنتها من تطوير أسلوب مميز على صعيد سلامة المركبات يقوم على الدمج بين بيانات الحوادث الحقيقية مع مجموعة مبتكرة من تقنيات السلامة الإيجابية والسلبية، كل ذلك لضمان تحقيق أعلى مستوى من السلامة في جميع المركبات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة. من أهم العناصر التي تتألف منها استراتيجية سلامة المركبات المطبقة لدى تاتا موتورز نظام منع انغلاق المكابح، ونظام منع انزلاق المركبة، ونظام الثبات الإلكتروني، ونظام منع الانزلاق على المنحدرات. أيضا، حرصت الشركة على استخدام إجراء السلامة السلبية اعتمادا على التصميم القوى والذكي لتقليل الحوادث والآثار السلبية على المركبة ومشغليها إلى الحد الأدنى. ومثل هذه الميزات لم تؤمن الحماية للسائق والحمولة فقط، بل أمنت أعلى هامش ممكن من الربحية لملاك المركبة من خلال الحد من تكرار وشدة الحوادث والخسائر البشرية والمالية الناجمة عنها.
الإستثمار في راحة السائقين ..
تأتي راحة السائق ضمن الأولويات القصوى لشركة تاتا موتورز، بما في ذلك ضمان أمنه وسلامته، وتعزيز الفعالية التشغيلية للمركبة في النهاية. في المملكة العربية السعودية، وحيث يعد القطاع اللوجستي يعد من أهم الأنشطة الإقتصادية، فإن تأمين بيئة العمل المناسبة لسائقي الشاحنات من شأنه أن يعزز من إنتاجية هذا القطاع بصورة عامة. ولهذا، حرصت تاتا موتورز على تصميم شاحناتها بصورة تزيد من مستوى راحة السائق من خلال عدد من الميزات كنظام التحكم بالسرعة المبني على الحمل، ونظام الحماية عند المنعطفات، ونظام المساعدة عند المنحدرات ونظام الشاشات الرقمية، والمقعد المتحرك، والذي ساهم بالحد من شعور السائق بالتعب وزاد من تركيزه خلال الرحلات الطويلة، ووفر له المزيد من الأمن والسلامة على الطريق.
تأكيدا منها على التزامها بتصنيع مركبات تركز بالدرجة الأولى على السائق، فقد حرصت شركة تاتا موتورز مؤخرا على طرح أول شاحنة عاملة بالجير الأوتوماتيكي اليدوي في السوق السعودية، الأمر الذي يعد إنجازا على صعيد المركبات السهلة التشغيل والمريحة للسائق في نفس الوقت.
قوة البيانات
يشهد قطاع النقل في المملكة العربية السعودية تطورا سريعا، وبخاصة مع طرح المركبات التي تتميز بالعمليات الذكية والأكثر فعالية. وانطلاقا من إدراكها لأهمية استخدام التقنية لتحقيق التميز التشغيلي، فقد حرصت تاتا موتورز على الاستعانة بأنظمة المراقبة المخصصة للمركبات لتمكين ملاكها من إدراتها بصورة أفضل عن بعد، وذلك من خلال التواصل مع المركبات للتعرف على أوضاع السائقين ومستويات الوقود وسلامة المركبة وفعاليتها التشغيلية، وبالتالي تمكين الملاك من اتخاذ قرارات بناء على بيانات عملية ودقيقة، وعدم تكبد تكاليف تشغيلية إضافية، وزيادة الأداء، وتحسين إنتاجية الأسطول بشكل عام.
من المتوقع أن يشهد قطاع الصناعات اللوجستية في المملكة نمو هائلا في المستقبل، مستندا في ذلك إلى المبادرات الحكومية والتطور التقني الحاصل في هذا القطاع. ومع صعود عنصر الهيدروجين كوقود بديل مبشر وخال من الإنبعاثات الكربونية، فإن موعدنا مع هذا المستقبل “النظيف” قد أطل علينا منذ الآن مع بدء استخدام أنواع جديدة من الوقود كالغاز الطبيعي، والذي برز كوقود على درجة عالية من الأهمية في السنوات الأخيرة.